Translate

الثلاثاء، 10 يوليو 2012

لم الدولة ؟

لم الدولة ؟
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
..
.
.
.
..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.

يتربع مفهوم الدولة عرش الفلسفة السياسية،لما يحمله من أهمية قصوى سواء اعتبرناه كيانا بشريا ذو خصائص تاريخية،جغرافية،لغوية،أو ثقافية مشتركة؛أو مجموعة من الأجهزة المكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع.فان دل الاعتبار الثاني على شيء فإنما يدل على كون الدولة سيف على رقاب المواطنين وعلى هؤلاء الآخرين الامتثال والانصياع.وهذا السؤال الذي بين أيدينا يندرج ضمن مفهوم الدولة ، ويتأطر ضمن المجال الإشكالي لمجزوءة السياسة. ما الغاية من وجود الدولة ؟ و من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟أتستمدها من الحق أم من القوة؟ ثم كيف يكون وجود دولة ما مشروعا ؟
بعد قراءتنا المتفحصة لشكل السؤال وبنيته، يظهر أنه يقود ضمنيا إلى أطروحة مفادها الغاية من الدولة أو بعبارة أخرى ، الهداف من وجود الدولة ، وقبل البداية في تحليل الأطروحة التي يتبناها السؤال يتوجب علينا أولا و لفهم أوسع لمضمون السؤال، الوقوف عند أهم الفاظه والمفاهيم الواردة فيه لشرحها و تفسيرها. السؤال الذي بين أيدنا يبدأ بأداة إستفهام لما ، وتعني لماذا ، وتحتمل عدة إجابات يمكن التطرق إليها في التحليل. لقد إحتوى السؤال مفهوما مركزيا تنبني عليه أطروحته ، وهو مفهموم الدولة ، أهم مؤسسة تسهر على تسيير المجتمع و تدبير شؤونه ؛وهي بذلك أشمل تنظيم يعكس مجموعة أفراد المجتمع.ويتجلى هذا التنظيم في عدد من المؤسسات الإدارية و القانونية والسياسية و الإقتصادية التي تتطابق مع متطلبات المجتمع. إن وجود الدولة نابع من قصور المجتمع عن تسيير شؤونه في غياب هذه المؤسسة التي تحفظ وجوده و تضمن استمراريته. و كجواب أول على السؤال يأتي موقف هوبص، حيث اعتبر أن الطبيعة جعلتالناس أحرارا و متساويين ؛ غير أن هذا التساوي لا يتحقق مع حالة الطبيعة التي تقوم على اساس الحرب الدائمة والفوضى و الخوف ،وهذا ما يؤدي إلى فناء الجنس البشري .ولذلك كان من الضروري ان يبحث الإنسان عما يساعده على تحقيق الأمن والإستقرار والسلام .لقد اعتبر هوبز حالة الطبيعة حالة حروب و نزاعات بين الأفراد وهي ما سماها بحرب الكل ضد الكل ، لذلك كان لزاما وقف استشراء العنف والإنتقال بالتجمع البشري الى مجتمع الدولة المنظمة . والوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الإنتقال هو التعاقد الإجتماعي الذي يضمن السلم والأمن بوجود حاكم يكون خارج هذا العقد حيث يتنازل الأفراد برضاهم عن بعض حقوقهم الطبيعية لفائدة الحاكم قصد تحقيق المنفعة العامة . وهذا التوافق بين الشعب و الحاكم ادى الى نشوء الدولة . والحاكم في نظر هوبز لا يمكن ان ياتيبتصرف يخالف المصلحة العامة لانه بعيد عن الوقوع في الخطأ و بالتالي يفرض تصور هوبز الخضوع التام لهذا الحاكم .و بهذا تكون الغاية من وجود الدولة حسب هوبس هو تحقيق السلم. من المعلوم أن التفكير الفلسفي يتميز بخاصية مهمة هي التنوع والإختلاف بين مواقف الفلاسفة وأطروحاتهم في إطار الإشكالية الواحدة، وذلك راجع-ربما- إلى اختلاف مرجعياتهم الفلسفية أو اختلاف المراحل التاريخية التي عاشوا فيها.لذلك ولتسليط الضوء على جزئيات هذا الموضوع المتشعب نستحضر موقف سبينوزا الذي جاء مختلفا تماما مع طوماس هوبس ، حيت يشير الى أن الغاية التي انشئت من أجلها الدولة هي حماية حرية الأفراد و سلامتهم وفسح المجال أمام طاقاتهم و قدراتهم البدنية و العقلية والروحية .إن تحقيق هذه الأهداف (الأمن،الحرية ...) يقتضي تنازل الفرد عن حقه في أن يسلك كما يشاء .ومقابل هذا التنازل يتمتع الأفراد بحرية كاملة في التعبير عن آرائهم و أفكارهم مع بقائهم متمتعين بهذا الحق مادام تفكيرهم قائما على مبادىءالعقل واحترام الأخرين و ايضا ما دام الفرد لم يقم باي فعل من شانه الحاق الضرر بالدولة.وبهذا فالهدف الأساسي من قيام الدولة هو منح الحرية للأفراد. يتوافق موقف هيجل شيئا ما مع موقف سبينوزا ، حيث ينطلق من محاولة إبراز قصور التقليد الفلسفي السياسي التعاقدي بجعل غاية الدولة تقف في حدود تحقيق الأمن والحرية والملكية الخاصة .إن الدولة غاية في حد ذاتها , باعتبارها نظاما أخلاقيا يكون في احترامه احتراما للعقل باعتبار الدولة تجسدا للعقل، لذلك كان من الواجب الإنخراط في الدولة؛ فلا وجود لحرية الأفراد في غياب حرية الدولة فمنها يستقي الأفراد حريتهم .إن اقتصار دور الدولة على تحقيق غايات خارجية (السلم ،الملكية الخاصة،الحرية....) يجعل الإنتماء الى الدولة مسالة اختيارية والحال أن علاقة الفرد بالدولة أوثق واوطد.فمصير الفرد ان يعيش في حياة جماعية كلية . هكذا تختفي النزعة الفردية في التصور الهيجيلي للدولة والذي يجعل لها سلطة مطلقة تسحق الفرد تحتها كما أنها ذات سيادة وروح كليتين. و لإغناء هذا التحليل الفلسفي، لا عيب في التساؤل عن موقعة الدولة بين الحق و العنف ؟ إذن ما مدى مشروعية العنف؟ في هدا الصدد يقدم ماكس فيبر موقفا متميزا ،حيث ينطلق من تعريق الدولة من خلال وسيلتها الخاصة وهي ممارسة العنف ،باعتبار أنه من خلال هذا العنف يمارس الحاكم سلطته ويضمن استمراريتها، وكحجج يقدما الفيلسوف عن مشروعية العنف، يقر بأنه من دون عنف ستعم الفوضى، إن الدولة إذن تمارس العنف باعتباره عنفا مشروعا، ولا يحق لأي فرد ممارسته دون موافقتها، فوظيفة الدولة هي ممارسة العنف باعتباره عنفا مشروعا منظما وفق اجراءات وقوانين، ومنه فالحاكم وحده من يملك هذا الحق، بل إنه الخاصية المميزة له. لكن في مقابل هذا الموقف هناك من يقر بعدم مشروعية العنف ،يتقدم هؤلاء ابن خلدون حيث يجيب ان مصلحة الرعية لا تتجلى في جسده أو ملاحة وجهه، وإنما في حسن معاملة الرعية والرفق بها، فالسلطان سلطان برعيته والرعية رعية بسلطانها، والعلاقة بينهما يسميها ابن خلدون الملكة، ومن هنا يطلب منه أن تكون موجودة، لأن جودتها تنفعه كما تنفعهم ، وسوءها ضرر له ولهم، فإن كان الحاكم رحيما ،استلطفوه وأعانوه بل وناصروه في كحنه، وإن كان قاسيا عليهم، فسدت حمايتهم له بفساد نياتهم وخذلوه في الحروب إذ يعاملونه بالكذب والخداع والخذلان،ومن هنا نهاية حكمه، كما ينصح ابن خلذون، الحاكم ألا يكون فطنا شديد الذكاء متتبعا لعورات الرعية، بل الإتصاف بالقدر الكافي من الفطنة، حيث يقول:" الكيس والذكاء عيب في صاحب السياسة لأنه إفراط في الفكر، كما أن البلادةإفراط في الجمود ، وكلاهما مذمومان ، والمحمود هو المتوسط." ومن هنا يجعل ابن خلدون من العدل والقانون والحق، صفات الحاكم تجاه رعيته لضمان استمرارية حكمه.
كتخريج عام، وبناءا على معطيات المتاقشة والتحليل، يتبين لنا أن القولة تثير قضية كبقية القضايا الفلسفية، وأفرزت مواقف وأطروحات فلسفية مختلفة تصل أحيانا إلى درجة التناقض، فاختلفت في تحديد إشكالية قيام الدولة الغاية منها ، فهناك جماعة أكدوا على كون الهدف من تأسيس الدولة هو تحقيق السلم وفرض الأمن، لكن هناك من ضربوا عرض الحائط هذا الموقف، واعتبروا غاية الدولة هي منح الحرية للمواطنين . وكرأي شخصي متواضع أضم صوتي لكل من قالوا أن الهدف من هذا التأسيس هو تحقيق السلم الداخلي. وبما أن الدولة تتميز بسلطة سياسية ، فماهي طبيعة هذه السلطة يا ترى ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق